رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
ليقول بندم
حقك عليا مرة تانية
يا ست البنات
اعتصر الألم قلبها للحظة فقټلت ذلك الشعور الموجع وتحركت عائدة لبيتها ولسان حالها يهمهم في حسرة
يفيد بإيه الندم بعد ما كله خلاص راح واتكسر !!!
يتبع الفصل الثاني والعشرين
الفصل الثاني والعشرون
البديل
حينما وصلت إليه أنباء علتها الصحية لم يتردد عوض للحظة في الذهاب إليها على وجه السرعة لرؤيتها والمكوث معها لعدة أيام ريثما يطمئن عليها ويعوض ما فاته بفراقها لسنوات عنه لكنها كانت كعادتها ساخطة ناقمة مشحونة بكراهية غير مبررة تجاه زوجته المغلوبة على أمرها اشتد بصدره الوجيب وامتلأ وجهه بعلامات الاستهجان ووالدته لا تزال تلح عليه في تصميم مغاير لما يريده
حول أنظاره عنها فأكملت بما يشبه الإهانة
دي أرض بور ومافيش منها رجا قعدتك معاها هتخسرك اللي فاضل من عمرك
احتج على ظلمها المجحف وصاح مستنكرا بضيق
أنا راضي بحالي معها فمالوش لازمة الكلام ده
أمسكت بذراعه وتوسلته بمكر
وتزعل أمك
كان محاصرا بين نارين الظفر بمحبتها وبمراعاة غيبة زوجته زفر مليا وقال بتعابير ممتعضة وهو يحتضن كفها بيده
كادت تنطق بشيء لتسخر منها فاستوقفها باسترساله وهو يستل يده من كفها بعدما أراحه على الفراش
فردوس اللي مش عجباكي دي وعمالة تجيبي من الأرض وتحطي عليها من غير ذنب وقفت معايا لما الكل إداني ضهره وأولهم إنتي
تجهمت على الأخير فاستمر مضيفا وكأنه يبدي عرفانه بصنيع جمائل حماته الراحلة معه
وعمرها ما قالت كلمة تزعلني
تطلعت إليه والدته بغير اقتناع وظلت على هجومها القاسې
سيبك من الهري ده كله كفاية إنك ماجبتش منها عيال يعني مافيش حاجة تربطك بيها سيبها وأنا عندي ليك ألف واحدة تانية غيرها
وقتئذ اتخذ موقفا معاندا وأصر على تمسكه بزوجته
فردوس مراتي وهتفضل على ذمتي لحد ما أموت
وأخوك
بدا متحيرا في مقصدها فأوضحت بأسلوب فج
ترضى تخلي واحدة زي دي أخوك كان عينه منها
انخلع قلبه من حديثها المسمۏم الذي يعلن في طياته عن حرب ضروس وهتف في ڠضب متصاعد
إيه الكلام ده يامه مايصحش كده!
ابتسمت لأنها نجحت في وغر صدره ضده وأكملت بخبث
أومال مفكر إيه
إنت نسيت اللي كان بينهم ده لو كان طلب منها تسلمه نفسها كانت عملت
وكأنها هوت على رأسه بمطرقة غليظة أظلمت نظراته واسودت ملامحه حتى نبرته اخشوشنت وقد رفع سبابته محذرا إياها بصرامة
لأ يامه كله إلا الشرف والعرض مراتي سيرتها أنضف من البفتة البيضا
ثم أولاها ظهره استعدادا للمغادرة فنادت من ورائه
توقف في منتصف المسافة لم ينظر إليها بالكاد حاول ضبط أعصابه بعدما استثيرت بهذه الاټهامات المجحفة كز على أسنانه وهو يخاطبها بوجوم شديد
بركة إنك بخير يامه ربنا يطمنا عليكي وأنا كل شوية هفوت أشوف أحوالك
صاحت به في غيظ
هتركب دماغك يا عوض
اكتفى بتوديعها المقتضب
سلام عليكم
ارتفع صوتها ليبدو كالصړاخ الحاد وهي تسأله
فيها إيه عدل مخليك ماسك فيها بإيدك وسنانك!!!
لم يرد بشيء وغادر المنزل والبلدة بأسرها وهو مهموم الصدر ومفطور القلب فكيف تفعل به أمه ذلك وهو لم يسع طوال حياته إلا لإسعادها!
لو كانت الظروف مختلفة ومهيأة عن الوضع الحالي لأصبح صغيرها الغالي هو ابن الأحلام والأمنيات التي رجت حدوثها منذ نعومة أظافرها! لكن مع ما اختبرته وما عاشته من آلام ممزوجة بالمهانة والإذلال فهمت أخيرا أنها أخطأت الاختيار وما تمر به الآن هو نتيجة اختيارها غير الموفق بعينين غارقتين في الدموع أمعنت تهاني النظر في طفلها النائم نهضت من جواره لتسحب الغطاء على جسده انحنت على جبينه تقبله ثم منحته ابتسامة مشرقة رغم العبرات المنسابة التي تبلل وجنتيها
اعتدلت
في
وقفتها وتجولت في غرفته بخطى بطيئة حذرة لئلا توقظه حتى بلغت النافذة الزجاجية الموصدة أزاحت الستارة البيضاء بخفة وأكملت حديث نفسها المكلومة
أنا اللي عملت كده في نفسي
شردت بعقلها واستعادت اللحظات الحمقاء التي غفلت فيها عن رؤية وجهه الحقيقي وانساقت كالبلهاء وراء أكذوبة الحب الأعمى فما كان منها إلا أن هوت على أرض الواقع فانقسم ظهرها وتكسرت
ابتلعت غصة مريرة جرحت حلقها وجالت ببصرها على السماء الظلماء الممتدة أمامها وهي تهمس
لو كنت صبرت ورضيت بحالي كان زماني متجوزة واحد محترم بدل ال
بترت إھانتها في خوف غريزي كأنما تخشى أن يسمع ما فاهت به رغم غيابه عن البيت سحبت شهيقا عميقا لفظته على مهل وأردفت في أسى
مالوش لازمة تقهري نفسك كل شوية يا تهاني مابقاش منه فايدة
التفتت برأسها للجانب لتنظر مرة ثانية إلى صغيرها ضحكة حياتها عفويا شقت ابتسامة صافية شفتيها العابستين وخاطبته في صوت خاڤت غير مسموع حتى له
إنت الحاجة الوحيدة اللي طلعت بيها من الجوازة دي
مسحت بظهر كفها شلال الدموع المتدفقة لتدعو في تضرع
ربنا ما يحرمني منك أبدا
ثم عاودت أدراجها واستلقت على الفراش محتضنة صغيرها ومتنعمة بدفء القرب منه
ليلته كانت مختلفة مطعمة بكل ما تشتهيه النفس وتطمع فيه من مسرات الدنيا وترفها لم يدخر مهاب وسعه في الظفر بمتعها الشهية وملذاتها السخية عاد إلى منزله متأخرا مترنحا وآثار الخمر تلعب برأسه بالكاد نجح في فتح الباب صفقه پعنف فتسبب الصوت في إفزاعه ورغم ذلك ضحك بقهقهة مجلجلة كأن تصرفه الأخرق كان مسليا له
تعرقل حينما سار في البهو فانكفأ على الأريكة استراح عليها وكركر ضاحكا وهو يتساءل بغير وعي
هو إيه اللي جاب الكنبة دي هنا
فرك جبينه وتوقف عن الضحك بصعوبة ليخاطب نفسه في انتشاء
لأ المرادي أنا تقلت في الشرب شوية بس حقيقي كانت تستاهل
الجلبة التي تسبب بها جعلت حواسها تتيقظ وتنهض من جوار صغيرها بعدما غفت بجواره لتخرج من غرفته وهي تسير على أطراف أصابعها متسائلة في توتر مرتاع
مين برا
هيكون مين غيري!
جاء الرد سخيفا وسمجا من زوجها الذي لمحته مسترخيا على الأريكة يرفع ساقه فوق مسندها ويرخي الأخرى على الأرضية اقتربت أكثر منه وهي تردد بنبرة شبه هازئة
حمدلله على السلامة
نظرة احتقارية سددها لها قبل أن يصيح بها وهو يتجشأ
امشي دلوقتي مش ناقص نكد
فاحت منه رائحة الخمر الكريهة والنساء اللاهية وما يبعث الاشمئزاز العارم على النفس تغاضت عما تراه وسألته في هدوء مناقض لما يجيش في أعماقها
مهاب إنت هتنام هنا في الصالة
رد عليها بوقاحة وهو يطوح بقدمه في الهواء كأنما يطردها
بيتي وأنا حر فيه أنام في الحتة اللي تعجبني
مجددا تجاوزت عن إهانته المتوارية وحاولت حثه على النهوض معها تجنبا لرؤية الخدم له وهو على هذه الحالة الفوضوية المنفرة انحنت عليه لترفعه من ذراعيه وهي ترجوه
طيب معلش تعالى معايا نروح الأوضة
وكزها بكوعه في صدرها بقوة فتأوهت من الألم المباغت وتراجعت عنه لتحمي نفسها من بطشه الأهوج جرفتها موجة عڼيفة من الخۏف عندما هدرت منه صيحة مھددة
إنتي مين عشان تديني أوامر
كظمت ضيقها بصعوبة وأبدت اعتذارها الفوري
أنا أسفة بس آ
قاطعها قبل أن تتم جملتها مواصلا وصلة لعنها المهينة
نسيتي نفسك ولا إيه صحيح تربية حواري!
كان يتكلم بعصبية بانفعال بهجوم غير مبرر ومع هذا طلبت منه بتريث حذر
اهدى يا مهاب الموضوع مش مستاهل كل ده!
شهقة غادرة انفلتت منها عندما اندفع تجاهها لينقض عليها أمسك بها من منبت ذراعها جرها پعنف للأمام وهو ېصرخ فيها
يالا غوري!
قوة الدفعة
جعلتها تنكب على
وجهها وتفترش الأرضية بجسدها تمكنت من حماية رأسها من الإيذاء في اللحظة الأخيرة ونظرت إليه في جزع لتردد بذهول مړعوپ
مهاب فوق إنت شارب ومش في وعيك!
وكأن طاقة من الڠضب المستعر قد اندلعت بداخله فحررها على هيئة ركلات قاسېة من قدمه سددها نحو جسد هذه المسكينة التي بكت في قهر وعجز وهي تتلقى دفعة جديدة من التأنيب العڼيف المصحوبة بصياحه المجلجل
مايخصكيش إنتي مش هتتحكمي في اللي بعمله سامعة أنا حر في حياتي
كان في غير وعيه انهال عليه بكل ما يعتريه من ۏحشية وقساوة غير مبال بأين تصيب ضړبته وأين يترك آثار عنفه توقف عما يفعل ليدس أصابعه في شعرها المسترسل جذب خصلاته بشراسة فأجبرها على رفع رأسها إليه هوى بيده الطليقة على خدها ليصفعها وهو يأمرها
ردي عليا
أجهشت بالبكاء وهي تتوسل إنسانيته الغائبة
خلاص حقك عليا أنا غلطانة
ظل ممسكا بخصلاتها وأطبق بيده على عنقها بغتة لېخنقها فانحبست أنفاسها وانحشرت أحست بروحها تستل من جسدها وصوته يخترق أذنها
أقولك على حاجة هتريحني منك
انقطعت أنفاسها تماما بل تكاد تجزم أن قلبها توقف عن النبض عندما هسهس كفحيح الأفعى
إنتي طالق!
نظرت له بعينين جاحظتين وهذا التعبير المصډوم يجتاح كامل وجهها فجأة تركها وهو يجلس ضاحكا أمامها كأن ما نطق به أسعده في حين استوعبت تهاني الکاړثة المفجعة التي حلت عليها لتهتف بصوتها المتحشرج
مهاب!
تزحف الأخير على يديه وقدميه حتى بلغ الأريكة لم يكن قادرا على الوقوف باستقامة فجلس عليها مريحا ظهره للخلف سلط عينيه الخاليتين من الحياة عليها ظل يرمقها بنظرات مستمتعة وهو يراها تتخبط بعجز جم قبل أن يخبرها مؤكدا ومشددا على ما سبق وردده
أيوه زي ما سمعتي إنتي طالق يا تهاني طالق!
لطمت على صدغيها في ړعب جلي وانتفضت واقفة لتسأله بغير تصديق
إنت واعي للي بتقوله دي المرة التالتة يا مهاب! المرة التالتة!
لم يبد مباليا على الإطلاق بما فعل بل عاد لاسترخائه الأول كما كان وعلق
ولو حتى العاشرة أو المليون إنتي طالق
ازداد صوت نحيبها فأمرها في غلظة
ويالا بقى من هنا وسبيني أنام
سرعان ما تحولت نبرته للټهديد غير المتساهل عندما أكمل
ولا تحبي أرميكي برا خالص
ظنت أنه مقبل على تنفيذ ما قاله فقد سبق وفعل لهذا أثرت ألا تختبر صبره وفضلت التراجع عن مواجهته غير المجدية حاليا هرولت ركضا بعيدا عنه وهي تخاطب نفسها في إنكار متعاظم
لأ استحالة ده يكون حصل مش معقول يطلقني بالشكل ده!!
سيطر عليها الخۏف بطريقة طاغية وتضاعفت الرجفات بها اختفت بداخل غرفة ابنها وأوصدت الباب بالمفتاح كأنما تخاف من احتمالية اقتحامه للغرفة وجرها للخارج استندت بظهرها المرتعش على إطار الباب الخشبي وهي تتساءل
طب هتصرف إزاي
تحولت عيناها الفزعتان إلى الفراش لترتكز على وجه طفلها النائم في سلام قبل أن ترتعش شفتاها هامسة باسمه
ابني أوس!!!
كانت قد بدأت تستغرق في نومها عندما تنبهت حواسها مع سماعها لصوت صرير باب الغرفة وهو يفتح اعتدلت في رقدتها لتنظر إلى زوجها الذي عاد لتوه من الخارج ألقى عليها التحية فردت عليه وسحبت منديل رأسها من على الكومود المجاور لها لتضعه
متابعة القراءة